إسمه:
هو أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي بن آدم الألبانى
ولادته:
ولد أستاذ العلماء، عمدة المحققين، ناصر السنة، قامع البدعة، محدث العصر، الفقيه، العلامة، القدوة، الإمام، المجدد، شيخنا: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي بن آدم الألباني رحمه الله سنة 1332هـ الموافق 1914م في مدينة «أشقودرة» التي كانت حينئذ عاصمة «ألبانيا».
نشأته:
نشأ الشيخ في أسرة فقيرة متدينة، عليها الطابع العلمي، إذ تخرج والده الحاج نوح نجاتي رحمه الله في المعاهد الشرعية في العاصمة العثمانية «الأستانة»، ورجع إلى بلاده حيث صار مرجعًا للناس يعلمهم ويرشدهم.
بعد أن تولى حكم ألبانيا «أحمد زوغو»، سار في البلاد في طريق تحويلها إلى بلاد علمانية تُقلد الغرب في جميع أنماط حياته، فتوجس والد شيخنا خيفة وتوقع أن يسوء الحال جدًا، فقرر الهجرة إلى بلاد الشام فرارًا بدينه، وخوفًا على أولاده من الفتن، ووقع اختياره على مدينة دمشق، التي تعرف عليها من قبل في طريق ذهابه وإيابه إلى الحج، ودفَعَه إلى ذلك ما ورد في فضل هذه البلاد من الأحاديث ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لها.
يقول شيخنا رحمه الله: «وبهذه المناسبة يحق لي أن أقول بياناً للتاريخ، وشكراً لوالدي رحمه الله تعالى: وكذلك في الحديث بشرى لنا: آلَ الوالد الذي هاجر بأهله من بلده (أشقودرة) عاصمة (ألبانيا) يومئذٍ؛ فراراً بالدين من ثورة (أحمد زوغو) أزاغ الله قلبه، الذي بدأ يسير في المسلمين الألبان مسيرة سلفه (أتاتورك) في الأتراك، فجنيت بفضل الله ورحمته بسبب هجرته هذه إلى (دمشق الشام) ما لا أستطيع أن أقوم لربي بواجب شكره، ولو عشت عمر نوح عليه الصلاة والسلام؛ فقد تعلمت فيها اللغة العربية السورية أولاً، ثم اللغة العربية الفصحى ثانياً، الأمر الذي مكّنني أن أعرف التوحيد الصحيح الذي يجهله أكثر العرب الذين كانوا من حولي فضلاً عن أهلي وقومي؛ إلا قليلاً منهم…» ([1]).
دراسته وشيوخه:
أتم العلامة الألباني دراسته الابتدائية في مدرسة «جمعية الإسعاف الخيري» في دمشق بتفوق، ونظرًا لسوء المدارس النظامية من الناحية الدينية قرر والده عدم إكماله الدراسة ووضع له برنامجًا علميًا مركزًا قام من خلاله بتعليمه القرآن والتجويد والصرف وفقه المذهب الحنفي.
فلقد درس الشيخ على والده بعض علوم الآلة، كعلم الصرف، ودرس عليه أيضًا من كتب المذهب الحنفي «مختصر القدوري» وتلقى منه قراءة القرآن الكريم وختمه عليه بقراءة حفص عن عاصم تجويدًا.
كما درس على الشيخ سعيد البرهاني رحمه الله «مراقي الفلاح» في الفقه الحنفي، و«شذور الذهب» في النحو، وبعض كتب البلاغة المعاصرة.
وقد رغب العلامة المسند الشيخ محمد راغب الطباخ رحمه الله مؤرخ حلب الشهباء في لقاء شيخنا، وكان ذلك بواسطة الأستاذ محمد عبد القادر مبارك رحمه الله([2]).
وكان الألباني يومئذ شابًا في مقتبل العمر، وقد أظهر الشيخ راغب إعجابه بالشيخ الألباني لما سمعه عن نشاطه في الدعوة إلى الكتاب والسنة واشتغاله في علوم الحديث، ورغب في إجازته بمروياته وقدم إليه ثَبَته «الأنور الجلية في مختصر الأثبات الحلبية»، فلذا يعتبر الشيخ راغب شيخه في الإجازة.
يقول شيخنا رحمه الله: «ثم وفقني الله بفضله وكرمه دون توجيه من أحد منهم إلى دراسة الحديث والسنة أصولاً وفقهاً، بعد أن درست على والدي وغيره من المشايخ شيئاً من الفقه الحنفي وما يُعرف بعلوم الآلة؛ كالنحو، والصرف، والبلاغة، بعد التخرج من مدرسة (الإسعاف الخيري) الابتدائية، وبدأت أدعو مَن حولي مِن إخوتي وأصحابي إلى تصحيح العقيدة، وترك التعصب المذهبي، وأُحذّرهم من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وأُرغِّبهم في إحياء السنن الصحيحة التي أماتها حتى الخاصة منهم» ([3]).
مهنته:
بدأ شيخنا بمهنة النجارة ولكنها لم تناسبه، ثم أخذ شيخنا الألباني عن أبيه مهنة إصلاح الساعات فأجادها، حتى صار من أصحاب الشهرة فيها، وأخذ يكسب رزقه منها، وكان تعلمه هذه المهنة وهجرته إلى بلاد الشام نعمتين كبيرتين، أنعم الله بهما عليه، وكان لوالده الفضل في ذلك عليه بعد الله عز وجل؛ فقد وفرت له هذه المهنة وقتًا جيدًا للمطالعة والدراسة، وهيأت له هجرته معرفة اللغة العربية، والاطلاع على العلوم الشرعية من مصادرها الأصلية = إذ يقول شيخنا رحمه الله حول كيفية جمعه بين المهنة وخدمة السنة:
«ومن توفيق الله تعالى وفضله علي أن وجهني منذ أول شبابي إلى تعلم هذه المهنة، ذلك لأنها حرة لا تتعارض مع جهودي في علم السنة، فقد أعطيت لها من وقتي كل يوم ما عدا الثلاثاء والجمعة ثلاث ساعات زمنية فقط. وهذا القدر يمكنني من الحصول على القوت الضروري لي ولعيالي وأطفالي على طريقة الكفاف طبعًا، فإن من دعائه عليه الصلاة والسلام «اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا»، رواه الشيخان.
وسائر الوقت أصرفه في سبيل طلب العلم والتأليف ودراسة كتب الحديث، وبخاصة المخطوطات منها في المكتبة الظاهرية، ولذلك فإنني ألازم هذه المكتبة ملازمة موظفيها! ويتراوح ما أقضيه من الوقت فيها ما بين ست ساعات إلى ثمان ساعات يوميًّا، على اختلاف النظام الصيفي والشتوي في الدوام فيها»([4]).
تَوَجُّهه إلى علم الحديث واهتمامه به:
توجه الشيخ لعلم الحديث وهو في قرابة العشرين من عمره متأثرًا بأبحاث مجلة «المنار» التي كان يصدرها الشيخ العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله، إذ يقول شيخنا رحمه الله:«فإذا كان من الحق أن يعترف أهل الفضل بالفضل لذوي الفضل، فإنني بفضل الله عز وجل بما أنا فيه من الاتجاه إلى السلفية أولًا وإلى تمييز الأحاديث الضعيفة ثانيًا، يعود الفضل في ذلك إلى السيد رضا رحمه الله عن طريق أعداد مجلة «المنار» التي وقفت عليها في أول اشتغالي بطلب الحديث»([5]).
ولقد أصبح الاهتمام بالحديث وعلومه شغله الشاغل، حتى كان يغلق محله، ويذهب إلى المكتبة الظاهرية، ويبقى فيها اثنتي عشرة ساعة، لا يفتُر عن المطالعة والتعليق والتحقيق إلا أثناء فترات الصلاة.
وكان يتناول طعامه اليسير في المكتبة في كثير من الأحيان، حتى إن إدارة المكتبة وافقت على تخصيص غرفة خاصة للشيخ، ليقوم فيها بأبحاثه العلمية المفيدة لما رأت فيه من الحرص الشديد، ووافقت على منحه مفتاح المكتبة، فكان يدخل قبل الموظفين صباحًا في بعض السنين، وهم ينصرفون إلى بيوتهم ظهرًا ثم لا يعودون، ولكن الشيخ يبقـى في المكتبة ما شاء الله له البقاء فكان ربما يصلي العشاء ثم ينصرف.
وإن كل من رآه في المكتبة آنذاك يعرف مدى اجتهاده وحرصه على الاستفادة من وقته، حتى إن الكثير من الناس كانوا يحملون عليه لكثرة انهماكه في المطالعة والتأليف أثناء زيارتهم له في المكتبة، وبالطبع كان للشيخ عذره لأنه لا يريد إضاعة الوقت بالترحاب والمجاملة، وكان يجيب عن بعض الأسئلة التي توجه إليه وهو ينظر في الكتاب، دون أن يرفع بصره إلى محدثه بأوجز عبارة تؤدي الغرض. وكان من ثمرة هذا الجهد المبارك تخريج أحاديث البيوع في «موسوعة الفقه الإسلامي»، وغيرها من المؤلفات كما سيأتي إن شاء الله.
تدريسه في الجامعة الإسلامية بالمدينة: [6]
بتوفيق الله تعالى، ثم بفضل ذلك الجهد المتواصل، ظهر للشيخ مؤلفات نافعة في الحديث والفقه والعقائد وغيرها، تدل أهل العلم والفضل على ما حباه الله من فهم صحيح، وعلم غزير، ودراية فائقة بالحديث وعلومه ورجاله، بالإضافة إلى منهج علمي سديد يجعل الكتاب والسنة حكمًا وميزانًا في كل شيء، مسترشدًا بفهم السلف الصالح وطريقتهم في التفقه واستنباط الأحكام.
هذا المنهج القويم هو الذي سار عليه كثير من المحققين من أهل العلم وبخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلامذته ومن تبعهم على ذلك. كل هذا جعل الشيخ علمًا ذائع الصيت، يرجع إليه أهل العلم، ويعرف قدره المشرفون على المراكز العلمية مما شجع المشرفين على الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية حين تأسيسها وعلى رأسهم سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله رئيس الجامعة الإسلامية والمفتي العام للمملكة العربية السعودية آنذاك أن يقع اختيارهم على الشيخ الألباني ليتولى تدريس الحديث وعلومه وفقهه بالجامعة.
وبقي شيخنا في الجامعة الإسلامية ثلاث سنوات من عام 1381هـ حتى آخر عام 1383هـ يدرس الحديث وعلومه، وكان خلالها مثالًا يقتدى به في الجد والتواضع، وحسن الخلق، وكان ذلك يتجلى في جلوسه مع الطلاب خلال أوقات الراحة بين الدروس، وفي الرحلات التي تنظمها الجامعة. مما كان له الأثر الكبير على الطلاب آنذاك مما جعل طائفة منهم من البارزين في العلم والدعوة إلى الله عز وجل على بصيرة. كما كان عضوًا في مجلس الجامعة آنذاك.
عودة الشيخ إلى دمشق:[7]
لما رجع الشيخ إلى دمشق رجع أشد همة، وأمضى عزيمة، إلى مكانه المخصص له في المكتبة الظاهرية، وأنكب على الدراسة والتأليف، وفرغ له كل وقته وترك محل إصلاح الساعات لأحد إخوانه، ثم لابنه بعد وفاة أخيه رحمه الله.
وقد أتاح له هذا التفرغ أن يتحف العالم الإسلامي بالمزيد من مؤلفاته النافعة، وتحقيقاته القيمة، التي سنذكرها في أثناء هذه الترجمة إن شاء الله.
وفاته وأصداؤها على العالم الإسلامي
لقد توفي شيخنا ـ بعد مرض أصابه قرابة عامين جعله الله كفارة له ـ بعد عصر السبت في 22 جمادى الثانية1420هـ، الموافق 2 تشرين الأول (اكتوبر) 1999م، في مدينة عمَّان عاصمة الأردن، عن عمر يقارب 88 عامًا قمريًا، ودفن فيها ـ لَحدًا ـ بعد صلاة العشاء بعد تكفينه فورًا، بناءً على وصيته بالتعجيل.
كما شيِّعت جنازته حملًا على الأكتاف، خلافًا للمتبع في عدد من البلدان بالسيارات، وشهد جنازته عدد غفير مع ضيق الوقت في التبليغ.
وأعقب شيخنا رحمه الله سبعة أبناء وست بنات وزوجة واحدة وهذه أسماء ذريته مرتبين:
عبد الرحمن، وعبد اللطيف، وعبد الرزاق، وعبد المصور، وعبد الأعلى، ومحمد، وعبد المهيمن، وأنيسة، وآسية، وسلامة، وحسان، وسكينة، وهبة الله.
جعلهم الله جميعًا من الذرية الصالحة، وبارك فيهم، ورزقهم السير على خط أبيهم ونهجه آمين.
ولقد كان لوفاة شيخنا العلامة الألباني رحمه الله الوقع الكبير على العلماء وطلبة العلم ومحبيه في أنحاء المعمورة.
وإن لله ما أخذ ولله ما أعطى، وكل شيء بأجل مسمى.
ونسأل الله عز وجل أن يجعله في العليين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، ونسأل الله عز وجل أن يخلفه مِنْ بعده مَنْ هو خيرٌ منه في خدمة الإسلام والمسلمين، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها([8]).
تعزية خادم الحرمين الشريفين وولي عهده:
لقد عزى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي ولي العهد وسمو النائب الثاني حفظهم الله ووفقهم لخدمة دينه بوفاة العلامة الألباني. ونقلت تعازيهم لأبناء الشيخ سفارة المملكة العربية السعودية بعمان في زيارة خاصة لبيت الشيخ للتعزية. فجزاهم الله خيرًا على تقديرهم للعلم وأهله.
ومن أصداء وفاته:
ـ قال شيخنا العلامة محدث الحجاز وفقيهها عبد المحسن العباد حفظه الله([9]): «إنه فقيد الجميع، العالم الكبير الشهير، العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله وغفر له، وله جهود عظيمة في خدمة السنة، وفي العناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان مصادر تلك الأحاديث والكتب التي ذَكَرَتها، وبيان درجتها من الصحة والضعف. وخدمته للسنة مشهورة. ودافع عن عقيدة السلف ومنهج السلف دفاعًا عظيمًا.
ولا يستغني طلبة العلم عن الرجوع إلى كتبه وإلى مؤلفاته، فإن فيها الخير الكثير، وفيها العلم الغزير. ومؤلفاته مشهورة عظيمة، ولا تخلو المكتبات غالبًا من كتبه، أو من وجود شيء منها. وله عناية بالبحث وبالكتابة والرجوع لكلام العلماء والاستفادة منهم.
وإن ذهاب مثل هذا العالم، هو في الحقيقة نقص كبير على المسلمين ومصيبة، وثلمة في الدين، ونسأل الله أن يوفق تلاميذه، للسير على منهجه.
ولقد ذهب في النصف الأول من هذا العام عَلَمان مَنَّ الأعلام، وفَذَّان من الأفذاذ ؛ إذ ذهب في المحرم سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله، وذهب في جمادى الآخرة العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وتخلل هذه الفترة موت العلامة الشيخ صالح بن غصون، وموت الشيخ العلامة عطية محمد سالم رحمهم الله. وهكذا يذهب العلم بموت العلماء، اللهم عوض المسلمين خيرًا واغفر لهم وارحمهم.
وإن هذين العالمين ـ يعني سماحة الشيخ ابن باز وفضيلة الشيخ الألباني ـ من العلماء الكبار الجهابذة المحققين، الذين لهم العناية الفائقة والهمة العالية، وكل منهما له جهود عظيمة في العقيدة، و قد حصل على يديهما الخير الكثير، وحصل بسببهما النفع العظيم للإسلام والمسلمين، فجزاهما الله أحسن الجزاء، وغفر لهما وتجاوز عن سيئاتهما.
والعلامة الألباني رحمه الله وإن كان له بعض الآراء التي نعتبره قد أخطأ فيها لكنها مغمورة في بحور صوابه، وما حصل على يديه من النفع الكبير والخير للمسلمين في خدمة سنة المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وهذه الأمور التي حصلت منه، والتي نعتبرها أخطاءً هو مجتهد فيها، وهو مأجور على اجتهاده، ولكن ذلك لا يجعل الإنسان يتساهل أو يتهاون في علمه الكثير وفي علمه الغزير وفي نفعه العظيم وفي نفعه العميم ـ إذ (كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر) ـ فإنه بحق من العلماء الأفذاذ، الذين كانوا في هذا العصر، والذين لهم جهود في خدمة سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ونسأل الله أن يعوض المسلمين خيرًا، وأن يوفق طلبة العلم لتحصيل العلم النافع والعمل به، وأن يختم لنا بخاتمة السعادة، إنه جواد كريم. انتهى
- قال معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ ـ وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية ـ بهذه المناسبة:«الحمد لله على قضائه وقدره ـ وإنا لله وإنا إليه راجعون ـ، ولا شك أن فقد العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني مصيبة، لأنه علم من أعلام الأمة، ومُحدِّث من مُحدِّثيهم، وبهم حفظ الله جل وعلا هذا الدين، ونشر الله بهم السنة.. وأضاف معاليه:
إن للفقيد مآثر عديدة في نصرة العقيدة السلفية ومنهج أهل الحديث، وله مؤلفات عظيمة عديدة في خدمة الحديث وتمييز الحديث الصحيح من الضعيف، وأثره في العالم الإسلامي كبير، ويعد من علماء الأمة بمآثره الجليلة والعظيمة. والحديث عنه في مثل هذا الموقف يصعب؛ لأن فقده على الأنفس عزيز، ولهذا لا نملك في هذا المقام إلا أن ندعو له بالمغفرة والرضوان، وأن يجزيه خير الجزاء في الدعوة إلى عقيدة السلف، وأسأل الله أن يجعل البركة في علماء الأمة وأن يوفق تلاميذه في إتمام رسالته»([10]).
ـ قال معالي الشيخ الدكتور عبد الله صالح العبيد أمين العام لرابطة العالم الإسلامي ووزير التربية والتعليم سابقًا : «إن الله لا ينزع العلم من صدور الرجال، وإنما بموت العلماء. ولا شك بأن فقد الأمة الإسلامية بوفاة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني تعتبر خسارة فادحة، ولا سيما أن موت فضيلته وانتقاله إلى ربه يأتي بعد كوكبة من العلماء الذين حملوا كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما حملوا الدعوة الإسلامية في وقت كانت أشد ما تكون الحاجة إليهم وإلى أمثالهم، ونسأله جل وعلا أن يكون في تلاميذ الشيخ وتلاميذ أصحاب الفضيلة الذين سبقوه ما يعوض شيئًا من مصاب الأمة، بحيث يحملون لواء الدعوة إلى الله عز وجل، فيكونون خير خلف لخير سلف، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وجميل غفرانه، وأن يلهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان. وشواهد الشيخ وإسهاماته جليلة وكبيرة من خلال عمله في المؤسسات الإسلامية الكبرى مثل الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وغيرها من المؤسسات الإسلامية الكبرى.
وقد كان فضيلته رحمه الله موضع التقدير والاحترام من قبل المسلمين أفرادًا وهيئات وجماعات ودولًا. وقد توج ذلك بمنحه جائزة الملك فيصل لخدمته الجليلة للدراسات المتعلقة بالحديث»([11]).
ـ معالي الشيخ العلامة عبد الله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء حفظه الله حيث قال: لقد فجع معشر المسلمين بفقد عالم كبير من السلفيين الذي كان له باع طويل في محاربة البدع والضلالات، والرد على أصحابها من كتاب الله وسنة رسوله، هذا فضلًا عما لفضيلته من تحقيقات صائبة في سبيل تمحيص السنة والتبصير بصحيحها من سقيمها، فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وعوض المسلمين عنه بمن يسد مسده فيما يتعلق بالتحقيق في علوم الحديث، ومحاربة أهل الضلالات من أهل البدع والمحدثات، ممن ضلوا وأضلوا. فإنا لله وإنا إليه راجعون… ودعا فضيلته للشيخ بقوله : اللهم اغفر له وارحمه واجعل الجنة مثواه واجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأَتَمَّه والله المستعان([12]).
ـ معالي الدكتور الحبيب بلخوجة ـ الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي ـ: «العلامة الشيخ الألباني عرفناه عن طريق عنايته ودراسته للحديث الشريف، واشتغاله بفنونه المختلفة، وانقطاعه للدراسات العلمية الشرعية، وعمله الطويل في المكتبة الظاهرية في دمشق.
وأضاف: إننا فقدنا بموته رجلًا سباقًا إلى خدمة العالم الإسلامي، فكان بذلك مرجعًا لعدد كبير من الأساتذة والشيوخ.. تغمده الله برحمته ورضوانه، وأسكنه فسيح جناته» ([13]).
ـ معالي الأستاذ كامل الشريف، وزير الأوقاف الأردني الأسبق، والأمين العام للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة: «إن وفاة الشيخ محمد الألباني خسارة للأمة الإسلامية، لما كان يتمتع به رحمه الله من شخصية فاعلة، وقوية ومؤثرة. وهناك إجماعا على صفاء نيته وإخلاصه في علمه، ولقد كنت أتابع ما كتبه رحمه الله، فنسأل الله أن يتغمده برحمته، ويسكنه فسيح جناته، وأن يؤجره على علمه إنا لله وإنا إليه راجعون» ([14]).
ـ الدكتور حامد أحمد الرفاعي، الأمين العام المساعد للمؤتمر الإسلامي: «لقد فجعنا بوفاة الشيخ المجدد فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، ولقد كان للشيخ رحمه الله دور كبير في خدمة الحديث الشريف والسنة المطهرة. ولقد سمعت سماحة الشيخ العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وهو يقول عن الشيخ الألباني بأنه مجدد هذا العصر في علوم الحديث، ولا شك بأنه رحمه الله كان له دور كبير في خدمة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والسنة المطهرة، وترك كمَّا كبيرًا من الكتب المحققة والمؤلفة ولا سيما في الأحاديث الضعيفة، إضافة إلى الصحاح التي أفرزها وعلق عليها ببيان صحيحها من ضعيفها، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء» ([15]).
ختامًا:
هذا بعض ما يجب عليَّ من الوفاء بحق شيخي وإمامي وقدوتي العلامة أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، فجزاه الله خير الجزاء لما قدّم من الدعوة إلى الوحيين ونشر السنة النبوية والذّبِّ عنها وتغمده بواسع رحمته.
والحمد لله رب العالمين.
تأليف:
فضيلة الأستاذ الدكتور عاصم بن عبد الله القريوتي
أستاذ السنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
منقول من صفحة الشيخ محمد ناصر الدين الألبانى
__________________________
([1]) «السلسلة الصحيحة» (7/1/615 ـ 617)، حديث (3203).
([2]) له ترجمة في «علماء ومفكرون عرفتهم» (1/229)، للشيخ محمد المجذوب.
([3]) «السلسلة الصحيحة» (7/1/615 ـ 617)، حديث (3203).
([4]) «حياة الألباني وآثاره» لمحمد بن إبراهيم الشيباني (ص46ـ47).
([5]) «حياة الألباني للشيباني» (1/401). كما نبه شيخنا رحمه الله على أخطاء رشيد رضا رحمه الله من ص (401 ـ 405).
([6]) من ترجمة الشيخين محمد عيد العباسي، وعلي خشان رحمه الله.
([7]) من ترجمة الشيخين محمد عيد العباسي، وعلي خشان رحمه الله.
([8]) هذا اقتباس مما بادرني به شيخنا رحمه الله عندما وصل إليه خبر وفـاة شيخنا ابن بازـ رحمه الله.
([9]) نقلتها من كلام الشيخ في درسه في المسجد النبوي بعد مغرب يوم الأحد 23 جمادى الآخرة وضممت معها بتنسيق ما سمعت منه في بيته يوم الاثنين 24 جمادى الآخرة، ولقد كتبت بعد وفاة شيخنا الألباني ترجمة موجزة بعنوان «شذرات من ترجمة شيخنا أستاذ العلماء، عمدة المحققين، مجدد هذا القرن الشيخ العلامة محدث العصر محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني». وقرئت على شيخنا عبد المحسن بن حمد العباد حفظه الله واستحسنها.
([10]) جريدة عكاظ في 23 / 6 / 1420هـ.
([11]) جريدة عكاظ في 23 / 6 / 1420هـ.
([12]) جريدة عكاظ في 24 / 6 / 1420هـ.
([31]) جريدة عكاظ في 23 / 6 / 1420هـ.
([14]) جريدة عكاظ في 23 / 6 / 1420هـ.
([15]) المصدر السابق
0 comments:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.